هناك العديد من المشاعر والأفكار التى تجول بخاطرى كلما تذكرت جزيرة روبن. بالنسبة لى، السؤال الاكثر إرباكا هو لماذا؟ لماذا يسيء اى انسان الى انسان اخر، لمجرد انه يختلف معه فى اللون او اللغة او الدين؟ هل هذا سبب كاف؟

والآن بعد سنوات عديدة، هل يستحق إثبات تفوق لون او لغة او دين كل هذه الكراهية والغضب؟ استطيع ان ارى العديد من الاسئلة فى كل ركن من اركان جزيرة روبن. وسأحاول العثور على اجابات لكل هذه الأسئلة، أمل ان استطيع !!

ما هى جزيرة روبن؟

جزيرة روبن هى جزيرة صغيرة الى الشمال الغربى من مدينة كيب تاون، جنوب افريقيا.

لقرون عديدة، الجزيرة كانت تحوى سجنا شديد الحراسة والعزلة للتأثير على السياسيين والقادة والنشطاء.

الحائز على جائزة نوبل والرئيس السابق لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا تم سجنه على جزيرة روبن لمدة 18 من الـ 27 سنة التى قضاها خلف القضبان قبل سقوط نظام الفصل العنصرى.

ومن الجدير بالذكر، حتى الآن، 3 سجناء سابقين في جزيرة روبن قد اصبحوا رؤساء لجنوب إفريقيا وهم نيلسون مانديلا، وكجاليما موتلانث، وجاكوب زوما.

السجين نيلسون مانديلا اثناء تأدية فترة عقوبتة على جزيرة روبن
السجين نيلسون مانديلا اثناء تأدية فترة عقوبتة على جزيرة روبن

وصف جزيرة روبن

تقع جزيرة روبن على بعد 8 كيلومترات (5 أميال) قبالة ساحل خليج الطاولة (Table Bay) فى كيب تاون، جنوب أفريقيا.

الجزيرة على شكل بيضاوى، يبلغ عرض أبعادها حوالي 1.9 كيلومتر (1.2 ميل) وعرضها 3.3 كيلومتر (2.1 ميل). المساحة التقريبية هي 13 كيلومتر مربع (5 أميال مربعة). الجزيرة شبه مسطحة. أعلى نقطة تٌدعى مينتو هيل (سميت على اسم جراح بريطانى مشهور فى القرن التاسع عشر) وهى ترتفع حوالي 24 مترًا (80 قدمًا) فوق مستوى سطح البحر.

اسم جزيرة روبن مستوحى من الاسم الهولندي الأصلى (Robbe Eiland)، والذى يعني “جزيرة الفقمات” (الفقمة هو الاسم الذى يطلق في اللغة العربية على صغار كلب البحر).

السبب وراء هذا الاسم هو فى الغالب لانه فى وقت الاكتشاف الاوروبى فى القرن الخامس عشر، كان هناك العديد من الفقمات، البطاريق، السلاحف، الطيور، والثدييات البحرية. تعتبر الحيتان من الزوار الدائمين لشاطئ الجزيرة، خاصة في فصل الربيع.

السجين نيلسون مانديلا

تاريخ جزيرة روبن

منذ آلاف السنين: فى ذلك الوقت كان مستوى سطح البحر اقل مما هو عليه اليوم، كان من الممكن الوصول الى الجزيرة سيرا على الاقدام!!

1488: اكتشف بارتولوميو دياس جزيرة روبن عندما رسيت سفينته في خليج الطاولة

القرنان الخامس عشر والسادس عشر: استخدم المستعمرون والتجار البريطانيون والهولنديون الجزيرة كموقع وسجن

1652: استخدم جان فان ريبيك من شركة الهند الشرقية الهولندية الجزيرة كمحطة مرطبات لسفن الشركة

1658: كان أوتشوماتو اول سجين سياسى فى الجزيرة، وهو من السجناء القلائل الذين نجحوا في الفرار من الجزيرة!!!

القرن السابع عشر: اصبحت الجزيرة سجنا للقادة السياسيين للحكم المناهض للهولنديين فى جزر الهند الشرقية.

1795: استعمر البريطانيون الجزء الجنوبى من افريقيا واستخدموا جزيرة روبن كمستعمرة عقابية للهاربين من الجيش والقتلة واللصوص والزعماء الافارقة الأصليين

القرن التاسع عشر: تطورت جزيرة روبن تدريجيا الى مزيج من المستشفى والسجن. المرضى المصابون بأمراض عقلية والجذام يعيشون بجانب السجناء.

1930: اعادت الحكومة جميع المصابين بالجذام الى المستشفيات فى البر الرئيسى واحرقوا جميع المبانى لمنع انتشار الجذام

حقبة الحرب العالمية الثانية: استخدم جيش جنوب إفريقيا الجزيرة كخط دفاعي

1961: استخدمت حكومة جنوب أفريقيا جزيرة روبن كسجن

1991: مع نهاية الفصل العنصرى، تم اغلاق سجن شديد الحراسة للسجناء السياسيين

1996: تم اغلاق سجن الامن المتوسط للسجناء الجنائيين

1997: تم تحويل السجن الى متحف ويسمى متحف جزيرة روبن (Robben Island Museum)

1999: اعلنت اليونسكو سجن جزيرة روبن كموقع للتراث العالمى.

الصورة التى تم ترويجها اعلاميا عن سجن جزيرة روبن وكأن العمل هناك خفيف جدا ويحترم حقوق الانسان
الصورة التى تم ترويجها اعلاميا عن سجن جزيرة روبن وكأن العمل هناك خفيف جدا ويحترم حقوق الانسان

زيارة جزيرة روبن

لقد قمت بزيارة جزيرة روبن يوم الأربعاء الموافق 27 فبراير 2013.

والزيارة تتضمن زيارة جزيرة روبن، رحلة بالعبارة الى الجزيرة من فيكتوريا وألبرت وترفرونت والعودة. تستغرق الزيارة من 3 الى 4 ساعات تقريبا.

تغادر العبارات الساعة 09:00 و 11:00 و 13:00 و 15:00. وتبلغ التكلفة 360 راند (25 دولار) للبالغين و 200 راند (13.8 دولار) للاطفال دون سن 18 عام

فى الليلة التى سبقت الرحلة الى جزيرة روبن، ذهبت الى الفراش مبكرا للحصول على قسط كاف من النوم. ومن قبيل الصدفة فان الفندق الذى كنت أقيم فيه – اسمه بروتيا بريك واتر لودج – كان في السابق سجنا أيضا وتم تحويلة الى جامعة وفندق.

الشجرة المائلة عند مدخل السجن شديد الحراسة
الشجرة المائلة عند مدخل السجن شديد الحراسة

المغامرة

فى الصباح، لم تكن البداية جيدة حيث استيقظت فى وقت متأخر جدا، قبل عشر دقائق فقط من مغادرة العبارة. لذا اضطررت الى الركض الى بوابة نيلسون مانديلا، واصل اليها فى تمام الساعة التاسعة.

لحسن الحظ، اكتشفت ان الرحلة تأخرت بسبب حالة الطقس. انزعج جميع الزوار بسبب التأخير والطقس الممطر. لكنها كانت بالنسبة لى فرصة جيدة لتناول الشاى مع وجبة فطور خفيفة.

في العبارة

بعد 40 دقيقة، تحسنت حالة الطقس واشرقت الشمس، وبدأ الزوار في ركوب العبارة.

تستغرق رحلة العبارة من 20 إلى 45 دقيقة، اعتمادًا على الطقس وحالة العبارة. بسبب التأخير، كان هناك عبارتان في وقت واحد، ومع ذلك، كان هناك طابور طويل استغرق 30 دقيقة للصعود على متن العبارة.

العبارة كانت مخيفة قليلاً في البداية، بسبب الغيوم والشمس لم تكن مشرقة تماما.

تبدو العبارة مثل حافلة بحرية، مع صفوف متعددة من المقاعد، 4 مقاعد على كل جانب. تظهر النوافذ على كل جانب المحيط والأمواج فقط استغرق الأمر حوالي 40 دقيقة للوصول إلى ميناء خليج موراي في جزيرة روبن.

جزيرة روبن كما تبدو من العبارة قبل الوصول الى مرفأ خليج موراى
جزيرة روبن كما تبدو من العبارة قبل الوصول الى مرفأ خليج موراى

الجولة في جزيرة روبن

عند الوصول وبعد النزول من العبارة، في مرفأ خليج موراي على الساحل الشرقي للجزيرة. بعد تمشيه بسيطه، كانت الحافلات تنتظرنا. وستنقلنا الحافلات الى جميع المواقع التاريخية حول الجزيرة.

فى الطريق الى الحافلات، مررنا بجدار مرتفع بناه السجناء خلال الستينيات. كان هناك العديد من اللافتات والصور على الجدران التى وثقت وحشية السجن فى الستينيات. كما كان هناك العديد من المباني حيث تقوم الأُسر والمحامين بزيارة السجناء.

جدار مرفأ موراى والذى بناه المساجين واللوحات تبرز فترة السجن
جدار مرفأ موراى والذى بناه المساجين واللوحات تبرز فترة السجن

في الحافلة، التقينا مرشدنا السياحي، والذى كان سجينا سابقا في سجن جزيرة روبن. وأوضح لنا تاريخ الجزيرة والخلفية السياسية في عهد الفصل العنصري. في مسار جولتنا مررنا بمقبرة الأشخاص الذين ماتوا بسبب الجذام.

المحاجر

ثم مررنا بمحجر الحجر الجيري. يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، حيث أجبرت الشرطة السجناء على الأشغال الشاقة فى ظروف شديدة الحرارة ودرجة حرارة عالية ونقص فى المياه.

قدم المحجر الحجارة لقلعة الرجاء الصالح فى كيب تاون. لم تكن هناك حاجة للحجر الجيرى، كان السجناء يكسرون الحجر ويحملونه الى احد اطراف المحجر في يوم من الأيام ثم يرجعون الأحجار الى نفس المكان الأول فى اليوم التالي.

كان نيلسون مانديلا احد السجناء الذين عملوا في المحجر لمدة 13 عاما. عانى مانديلا من مشاكل فى العين بسبب العمل في المحجر.

استخدم مانديلا وزملاؤه السجناء الوقت في المحجر لتعليم انفسهم فى الادب والفلسفة والتاريخ والاحداث الجارية. كان المحجر مثل الجامعة للسجناء، كما عبر عنها مانديلا فيما بعد.

مدخل السجن شديد الحراسة
مدخل السجن شديد الحراسة

السجن شديد الحراسة

فى وقت لاحق، اوصلتنا الحافلة الى السجن المشدد الحراسة، والذى كان مخصصا لسجناء الرأي والسياسيين. حيث التقينا بمرشد سياحي جديد. قادنا من خلال المبانى والاجنحة المختلفة.

كان دليلنا أيضا سجين سياسى سابق. اخبرنا عن قصته، وكيف قبضت عليه الشرطة السياسية وتمت محاكماته. ثم رأينا عنبره ومدى صعوبة الحياة فى السجن. إن القصص مؤثرة وحزينة حقًا.

الممر المؤدى الى السجن شديد الحراسة
الممر المؤدى الى السجن شديد الحراسة

فى وقت لاحق، وصلنا الى الجزء الاكثر إثارة في الرحلة وأكثرها احباطا أيضا. الا وهو زنزانة نيلسون مانديلا.

دخلنا جناحا مليئا بالزنازين الصغيرة على كلا الجانبين. الزنازين صغيرة بعرض 2 او 3 امتار فقط. والمثير للدهشة ان الزنزانة التي قضى فيها نيلسون مانديلا عقوبته، تبقى غير معروفة على وجه التحديد. وللحق، لا أدرى كيف تكون زنزانة نيلسون مانديلا غير معروفة تحديدا؟ لقد قضى هناك ثمانية عشر عاما. ربما لأنه كان يتنقل من زنزانة إلى أخرى، الله اعلم.

احد السجناء السياسين السابقين اثناء الجولة داخل السجن شديد الحراسة ويوضح لنا البطاقة التعريفية لأحد السجناء
احد السجناء السياسين السابقين اثناء الجولة داخل السجن شديد الحراسة ويوضح لنا البطاقة التعريفية لأحد السجناء

العودة

تستغرق الجولة الكاملة في السجن حوالي 90 دقيقة؟، وتتضمن استراحة قصيرة. بـيـنـما تستغرق جولة الحافلة حوالي 40 دقيقة.

فى النهاية نعود الى ميناء خليج موراى، ثم تعيدنا العبارة الى مدينة كيب تاون مرة أخرى. وكانت العبارة في العودة أفضل حالا من الأولى. كانت الشمس أكثر اشراقا، وكانت إطلالات مدينة كيب تاون وجبل الطاولة رائعة.

فى طريق العودة تبدو مدينة كيب تاون وجبل الطاولة
فى طريق العودة تبدو مدينة كيب تاون وجبل الطاولة

أخيرا، زيارة جزيرة روبن ملهمة حقًا. فى رأيى الشخصى إن الدرس الأهم من سجن جزيرة روبن، يأتى من فهم قوة المصالحة وفهم ان الكراهية والغضب يولدان الكراهية والغضب.

الآن يعيش السود والبيض على قدم المساواة وبسلام فى جنوب إفريقيا. اذا كان بامكانهم القيام بذلك فى جنوب افريقيا، فيمكننا القيام بذلك فى كل مكان فى العالم لتحقيق السلام العالمي. وليكون حقيقة وليس مجرد حلم.

هذا الدرس يأتي تأكيدا لما فعله سيد الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، يوم فتح مكة، حين عفا عن كفار قريش وقال لهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. العنف يولد المزيد من العنف، و الحب يولد الامزيد من الحب.

“اليوم عندما أنظر إلى جزيرة روبن، أراها احتفالًا بالنضال ورمزًا لأرقى صفات الروح الإنسانية، وليس كنصب تذكاري للاستبداد الوحشي وقمع الفصل العنصري. صحيح أن جزيرة روبن كانت في السابق مكانًا للظلام، ولكن من هذه الظلمة كان هناك سطوع رائع، وهو ضوء قوي للغاية بحيث لا يمكن إخفاؤه خلف جدران السجن”

نيلسون مانديلا

Written by

المسافر78

أنا اسمى يحيى وأنا المسافر 78. السفر هو عشقى والأرض موطنى. طبيب مسافر وأحاول تقديم السفر من خلال وجهة نظر جديدة ومختلفة على أساس علمى.